أخر الأخبار

×

أخر الأخبار

10 ديسمبر 2023 12:14 م

مجلس شورى النواب 1866 ... حصاد ثلاثة عشر عاما

الأحد، 09 أكتوبر 2016 - 02:41 م

عرض وتقديم : د. أحمد أبوالحسن زرد

اهتم مجلس شورى النواب - الذى بدأ اولى جلساته فى 25 نوفمبر 1866 - بالمسائل المتعلقة بالزراعة والرى مثل تطهير الرياحات والترع ، وإقامة القناطر ، والأراضى البور، والملاحات التى تسببت فى تلف بعض الأراضى  نتيجة عدم الاهتمام بوسائل الرى الموصلة لتلك المناطق وإهمال تسميدها ([1]) . هذا الى جانب بعض الاهتمام بالشئون المالية ( الميزانية والضرائب ) .

وخلال الهيئتين النيابيتين الأولى (1866 - 1869) ، والثانية ( 1870-1873) كان مجلس النواب ينفذ ما يطلبه الخديوى ، اما فى الهيئة الثالثة ( 1876 - 1879)  ، فثمة تغيير واضح من ملامحه تطور العمل النيابى وآلياته حيث تم تناول قضايا اقتصادية واجتماعية لم يسبق التطرق إليها  ([2]) . 

وعلى وجه العموم اصدر المجلس عدة قرارات اهمها : إنشاء حقول للتجارب الزراعية يعهد إلى علماء النبات إجراء تجارب الزراعات الحديثة فيها ، وجواز دفع البدل النقدى للإعفاء من الخدمة العسكرية ، وإتمام الرياحات الكبرى ، وتعميم لقاح الجدرى ، وزيادة عدد أطباء الصحة فى الأقاليم ([3]) ، وتنصيب مشايخ البلاد برغبة الأهالى، وتشكيل مجالس زراعة تسمى مجالس تفتيش الزراعة، وتنظيم المبانى بالمدن والقرى ورسم خرائط عن مبانى كل بندر بمعرفة مهندس التنظيم ، منع فرز الحصص فى الأطيان الموروثة وكان الفرز حقا مخولا لكل وارث طبقا للمادة الثانية من لائحة الأطيان المعروفة باللائحة السعيدية الصادرة عام 1858 ([4])  .

ومن القضايا التى استحوذت على اهتمام المجلس قضية مكافحة دودة القطن حيث انتشرت تلك الآفة على نطاق واسع مما ترتب عليه تلف المحصول ، وطلب الأعضاء ضرورة حضور احد المتخصصين من هندسة الزراعة للمداولة معه ( فى تلك الأثناء زاد الطلب العالمى على القطن المصرى وارتفع سعره بسبب تداعيات الحرب الأهلية الأمريكية ) . ومن ثم شكل المجلس قومسيونا ( لجنة ) من اعضائه مستعينا بعدد من علماء النباتات لدراسة كيفية القضاء على تلك الآفة الخطيرة خاصة وان القطن كان يشكل ركيزة الاقتصاد الوطنى  ، وبالفعل اعدت اللجنة تقريرا تضمن كيفية القضاء على دودة القطن كيميائيا وطبيعيا ([5]).

وفى الهيئة النيابية الثانية ( 1870 - 1873 ) تدارس المجلس فى دور انعقاده الأول ( فبراير – 31 مارس 1870 ) فى شأن عدة مسائل تتعلق بالشئون الزراعية والرى والصرف وتطهير الترع وبعض الشئون القضائية ، ومنها إنشاء مجالس او محاكم بالقرى لنظر القضايا الصغيرة وسميت هذه المجالس بمجالس الدعاوى المركزية ، وكانت بمثابة محكمة اول درجة ومهمتها النظر فى المنازعات بين المزارعين على امور الحدود والرى وملكية المواشى المشتركة وأجرة الأنفار وقضايا السرقة ، وغيرها من المسائل التى لا تزيد قيمتها عن خمس وعشرين قرشا  ([6]).

كما كان المجلس ينظر فى الميزانية – كالمعتاد - لكن احدا لم يسأل عن الأبواب التى صرف فيها القرض الذى عقد عام 1868 ومقداره 11.89 مليون جنيه ، وفيم كانت زيادة الديون السائرة التى بلغت 12 مليون جنيه فى اواخر 1869 ، ومقدار ما انفق على افتتاح حفلات قناة السويس وغير ذلك من ابواب السفه والإسراف ([7]) .

واحتلت قضايا الضرائب حيزا لا بأس به فى اعمال الهيئة النيابية الثانية ومن ذلك ضريبة النخيل ، وضريبة الأجران ، وضريبة الدخولية ، وكان الأعضاء اول المتضررين من هذه الضرائب لأنهم من دافعيها ، واعترضوا على توقف ضريبة الغلال التى كان يشارك فى دفعها الأجانب . وقرر المجلس الغاء ضريبة الفردة مقابل رسوم وعوائد أخرى ، والغى ضريبة المواشى . وخلال اعمال تلك الهيئة اصدر المجلس 18 قرارا من بينها منح كل قرية مجموعة من الأجران لإتمام عملية الحصاد بها ، وتنظيم عملية السخرة فى حفر الترع ([8]) .

والجدير بالذكر ان قانون المقابلة صدر فى 30 أغسطس 1871 اى بعد انفضاض المجلس أى دون أن يحاط علما بهذا التشريع الخطير ، وهذا يدل – كما يقول الرافعى – على مبلغ ما كان عليه المجلس وقتئذ من الضعف وهوان الشأن ([9]) .

ولم ينعقد المجلس عام 1872 ، وافتتح دور الانعقاد الثالث فى 26 يناير 1873 ، وانفض فى 24 مارس 1873 ، وسيطرت على اعماله كالمعتاد قضايا الرى والزراعة ، ومن المسائل التى عرضت على المجلس مشروع سكة حديد للسودان .

ولم يرد فى خطبة العرش ولا فى الرد عليها اى ذكر للحالة المالية السيئة للبلاد والتى انتهت بالقرض المشئوم فى يوليو 1873 ومقداره 32 مليون جنيه ، والذى جلب الخراب على البلاد ، ورغم خطورته لم تعرضه الحكومة على المجلس اطلاقا ([10]) .

تعطل الحياة النيابية سنتين :

انقضت سنتا 1874 و1875 دون أن يدعى مجلس شورى النواب للاجتماع أو تجرى انتخابات جديدة بعد انقضاء مدة الهيئة النيابية الثانية ، ويعزى ذلك كما يقول الرافعى الى الارتباك المالى الذى وقعت فيه الحكومة ، وعدم رغبتها فى إشراك نواب الأمة فى آرائها وقراراتها ، وتعمدها عدم اطلاعهم على حقائق الحالة المالية ..

ويعرض الرافعى للوضع المالى السابق على توقف الحياة النيابية ويقول بعد فض الدورة النيابية (مارس سنة 1873 ) ، عقدت الحكومة القرض الأكبر المشئوم (يوليو سنة 1873 ) ، ثم ابتدعت القرض الداخلى المعروف بدين الروزنامة سنة 1874 ، والذى جبت منه أكثر من ثلاثة ملايين من الجنيهات ، ثم استدانت عدة ملايين أخرى من الديون السائرة ، وفى سنة 1875 باعت أسهم مصر فى القناة إلى الحكومة الانجليزية مقابل ثمن بخس أربعة ملايين جنيه ، وتحت تأثير العجز المستمر فى الخزانة ، استدعت البعثة الانجليزية المعروفة ببعثة "كيف" لفحص شؤون الحكومة المالية ، ثم توقفت عن دفع أقساط الديون فى إبريل سنة 1876 ، فوقع التدخل الأجنبى الذى كان من نتائجه الأولى إنشاء صندوق الدين فى 2 مايو سنة 1876 ([11]) .

اجتماع مجلس شورى النواب فى دور غير عادى

اجتمع مجلس شورى النواب فى دور انعقاد غير عادى بمدينة طنطا ( أغسطس 1876 ) بمناسبة المولد الأحمدى بها ، وكان الغرض من الاجتماع هو البحث فى مسألة ابطال المقابلة أو إقرارها ، ذلك ان مرسوم 7 مايو 1876 قضى بإيقاف هذا القانون ، ولكن الحكومة رأت تخفيفا لضائقتها المالية ان يعود العمل به حتى تجنى متحصلات المقابلة ، وكان الأعيان الذين دفعوا اقساط المقابلة ، ومنهم النواب ، يهمهم أن يجرى العمل به حتى يستمر اعفاؤهم من نصف الضرائب المربوطة على اطيانهم على الدوام ([12]).

وقرر المجلس تأليف لجنة من ثلاثة اعضاء توجهت الى وزارة المالية وفحصت البيانات وانتهت فى تقريرها الى اعادة العمل بقانون المقابلة لأنه يتعذر على الحكومة رد مبالغ المقابلة ( 13 مليون جنيه ) مع سداد ديونها . وبالفعل ناقش المجلس فى 10 اغسطس 1876 تقرير اللجنة ، ووافق عليه لمعاونة الحكومة وإنقاذ البلاد مما يحيق بها من مكاره ([13]) .

وفى دور الانعقاد الأول من الهيئة النيابية الثالثة ( 23 نوفمبر 1876-  16 مايو 1877) بحث المجلس عدة مسائل تتعلق بالمنفعة العامة كالرياحات والقناطر والترع وملاحة مريوط وانتهى هذا الدور فى 15 فبراير 1877 .

بيد ان المجلس استأنف اعماله فى 16 ربيع الثانى 1294 هـ ، لمناسبة الحرب بين تركيا وروسيا حيث طلب الخديوى النظر فى المال اللازم لتجهيز الحملة المصرية التى اعتزم ارسالها فى هذه الحرب ، وانتهى المجلس الى قرار بزيادة الضرائب على اختلاف انواعها بنسبة 10% واختتم اعماله فى 16 مايو 1877 ( 3 جمادى الأولى 1294 ) ([14]) ، كما انتهى المجلس الى تشكيل قومسيون الإعانة لبحث المساعدات التى يمكن ان تقدم من قبل المجلس للحكومة فى حرب الدولة العثمانية مع روسيا ([15]).

وفى دور الانعقاد الثانى من الهيئة النيابية الثالثة ( مارس - يونيو 1877) ناقش المجلس الأضرار الناجمة عن نقص مياه النيل عام 1877 ، ونظر فى اطيان المتسحبين وهم المزارعون الذين تخلوا عن اطيانهم لعجزهم عن اداء الضرائب حيث قرر المجلس اعطاء اطيان المتسحب الى اهله الذين تؤول إليهم ملكيتها فيما لو مات ، وان تكلف بأسمائهم مؤقتا لمدة ثلاث سنوات بصفتهم وكلاء عن الغائب ، فإذا حضر قبل انتهاء هذه المدة تعاد له اطيانه ، وإن لم يرجع تعتبر ملكا باتا لمن زرعوها من اقاربه . ولم تعرض الميزانية على المجلس فى هذه السنة لانهماك الحكومة فى تقديم البيانات التى طلبتها لجنة التحقيق الأوربية  ([16]).

ومع انعقاد آخر ادوار المجلس فى عهد اسماعيل ( يناير – يوليو 1879 ) ، كان التدخل الأجنبى قد بلغ مداه حيث تشكلت وزارة محمد شريف باشا فى 7 أبريل 1879 ، وكانت تضم وزيرين أجنبيين ( المالية والأشغال العمومية ) ( احدهما بريطانى والآخر فرنسى ) .

وفى تلك الدورة أصر الأعضاء على حضور وزير المالية لمناقشة زيادة الضرائب لكنه امتنع عن الحضور . كما اعترض الأعضاء على احدى المسائل الدستورية بعد صدور مرسوم 6 يناير 1879 الذى لم يعرض على المجلس ، وهذا المرسوم خول لجنة التحقيق الأوربية سلطة لم تكن لها من قبل ، وهى وضع مشروعات القوانين المالية للبلاد وهذا معناه بقاء لجنة التحقيق إلى أجل غير محدود وجعلها لجنة تختص بالتشريع ، وهذا يشكل افتئاتا صريحا على اختصاصات مجلس شورى النواب .

وأصدر النواب بيانا شديد اللهجة على أثره قرر رئيس النظار الحضور الى المجلس بجلسة 14 صفر 1296 لكنه بدهاء لم يعرض لهذه المسألة بحجة كونها من المسائل الأساسية ( التى تخرج عن نطاق اختصاص المجلس ) .

ولم يكن الوزيران الأوروبيان راضيين عن استمرار المجلس ، واعتزما التخلص منه ، ومن ثم اجتمع المجلس فى 27 مارس 1879 وتلا رياض باشا وزير الداخلية ( الدكريتو ) اى أمر الإنفضاض لانقضاء مدة المجلس وهى ثلاث سنوات  .

وعلى إثر ذلك ، تقدم النواب ( 29 مارس 1879 ) بعريضة الى الخديوى اعترضوا فيها على مسلك الوزارة فى امتهانها حقوق المجلس ، واحتجوا على المشروع المالى الذى اعدته وتعلن فيه ان الحكومة المصرية فى حالة افلاس وتلغى فيه قانون المقابلة ، وأعلنوا عزمهم عن رفض هذا المشروع وامتناعهم عن تنفيذه وطالبوا من الخديوى ان يتلافى الحالة التى نشأت عن امتهان حقوق المجلس ([17]).

ثم تشكلت جمعية وطنية ضمت الأعيان والنواب وكبراء البلاد ووضعت بيانا تضمن مشروع تسوية مالية يعارضون به مشروع ريفرس ويلسن وزير المالية ، ويطالب البيان بتشكيل وزارة وطنية وإقرار مسئولية الحكومة امام مجلس شورى النواب وضمنوا ذلك فيما سمى باللائحة الوطنية ( 2 ابريل 1879 ) ، التى اعلن الخديوى اسماعيل قبولها بموجب وثيقة 7 أبريل 1879 ، ومن ثم تشكلت وزارة شريف باشا ( 8 ابريل 1879 ) وكان من بين قراراتها استمرار انعقاد البرلمان وبالفعل عقد مجلس شورى النواب جلسة فى 10 ابريل 1879 .

وأعلن شريف باشا فى بيان تاريخى امام مجلس شورى النواب فى 17 مايو 1879 انه مكلف بتقديم لائحتين الأولى اللائحة الأساسية ( الدستور ) ، والثانية لائحة الانتخاب . وبموجب اللائحة الأساسية اعلن رئيس مجلس الوزراء انه لا يوضع قانون ولا يعدل شئ من القوانين الموجودة إلا بإقرار مجلس النواب ولا يستثنى من ذلك القوانين الأساسية التى تقرر النظام الدستورى ومعنى ذلك ان المجلس خول سلطة جمعية تأسيسية وشكل هذا النص انتصارا معنويا لمجلس شورى النواب ([18]) .

لكن التطورات السياسية عصفت بكل هذا ، بعد خلع الخديوى اسماعيل وتولى ابنه توفيق سدة الخديوية حيث اجتمع مجلس النواب فى 6 يوليو 1879 ، وتليت افادة وزير الداخلية ومضمونها ان النظر فى اللائحتين يقتضى زمنا طويلا ، ولذلك ترى الترخيص لحضرات الأعضاء بالتوجه لبلادهم ، وبعد تاريخه ينظر فيما يلزم " اى ان الحكومة قررت فض المجلس . وكانت هذه آخر جلسة عقدها فى الدور الثالث من الهيئة النيابية الثالثة ثم تعطلت الحياة النيابية فى عهد توفيق باشا نحو سنتين ([19]) .

([1] )  ما ورد فى هذا العرض خلاصة لما جاء فى المراجع التالية :

- عبدالرحمن الرافعى ، عصر اسماعيل ، الجزء الثانى ( القاهرة : مطبعة النهضة ، 1932 ، ط1 ) . 

- د. سعيدة محمد حسنى ، محاضر مجلس شورى النواب ( الهيئة النيابية الأولى 1866-1869 ) الجزء الأول : تحقيق عبدالرازق عيسى ( القاهرة : مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ، 2001 ) .

- د. حسام محمد عبدالمعطى ، محاضر مجلس شورى النواب ( الهيئة النيابية الثانية 1870-1873 ) الجزء الثانى : إشراف : د. سعيدة محمد حسنى ( القاهرة : مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ، 2006 )

- د. سعيدة محمد حسنى ، محاضر مجلس شورى النواب ( الهيئة النيابية الثالثة 1876-1879 ) الجزء الثالث : تحقيق دينا عبدالحميد محمد ( القاهرة : مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ، 2011 )

 

(2) د. سعيدة محمد حسنى ، مرجع سابق ، صـ 7 .

([3] )  عبدالرحمن الرافعى ، المرجع السابق ، صـ 119 .

([4] )  عبدالرحمن الرافعى ، المرجع السابق ، صـ 128-129 .

([5] )  د. حسام محمد عبدالمعطى ، مرجع سابق ، صـ 17 .

([6] )  د. حسام محمد عبدالمعطى ، مرجع سابق ، صـ - 18- 19  .

([7] ) عبدالرحمن الرافعى ، المرجع السابق ، صـ 134- 135 .

([8] )  د. حسام محمد عبدالمعطى ، مرجع سابق ، صـ 23- 25  .

([9] ) يقضى قانون المقابلة بدفع ضرائب ست سنوات مقدما علاوة على الضريبة السنوية فى مقابل اعفاء اصحاب الأطيان من نصف المربوط عليهم على الدوام . المرجع السابق ، صـ 138- 139 ، 142 .

([10] ) المرجع السابق ، صـ 143- 144  .

(11) الرافعى ، عصر اسماعيل ، مرجع سابق ، صـ 144 - 145 .

(12) المرجع السابق ، صـ 180- 181 .

(13) المرجع السابق ، صـ  181 .

(14) المرجع السابق ، صـ  183-185  .

(15) سعيدة محمد حسنى ، محاضر مجلس شورى النواب ( الهيئة النيابية الثالثة 1876-1879 ) الجزء الثالث ، مرجع سابق، صـ 14 .

(16) المرجع السابق ، صـ  188  .

(17) المرجع السابق ، صـ  214  .

(18) المرجع السابق ، صـ  226- 228  .

(19) المرجع السابق ، صـ  227 .

اخبار متعلقه

الأكثر مشاهدة

التحويل من التحويل إلى